الفصل الثاني

 ـ2ـ
    أديب بديع التصوير، بليغ التعبير. ساهمَ قلمه في نشر الثقافة ورفع سقف الوعي لدى القارئ، مقتحمًا بكلمته الكثير من الأبواب الموصدة، مُعالجًا بحنكته العديد من المواضيع الشائكة .
   أدبه جَمّ، مُستمد من نزعةٍ صوفيّة ونبالةٍ أخلاقيّة. منحه الناس تقديرًا عاليًا لحظة توهج شعره وتألق موهبته إلى زماننا هذا. نبراسٌ للمحبة عنوانه في زمنٍ شحت فيه المبادئ وقحطت المحبة، فأصبحتا غيضًا من فيض.
   موهبته بدأت في مجدليا، واينعت في بيروت، حتّى غدت شجرة باسقة عابرة للقارات. أخذَ بريقه باللمعان منذ مطلع ثمانينيات القرن الماضي حين حوّل المنفى البعيد إلى ظاهرة أدبيّة بين المغتربين.
   تغلبَ على قرف الغربة بالكتابة، امتشق القلم مسبحة، شكلتها خرز الكلمات، كبَخور المعابد رائحة كلماته. في كتاباته تلقاه ابتعد عن الأسفاف والترهل، أمسك على الدوام إبرة بارعة في نظم قصائده وحياكة كتاباته الإنسانيّة. بادل الطعنات بالقبلات، وهذا أعجب العجائب. أمّ منزله ـ متحفه - في مدينة ميريلاندز بسيدني عدد كبير من أهل الفكر والقلم ورجال الدين والإعلام ورؤساء الروابط والجمعيّات ومحبي الكلمة، حتّى أمسى بيته قبلةً للشعراء وخبزًا لجياع الكلمة.
   أفردُ هذه الصفحات لشخصٍ قريب إلى القلب مُحبب للنفس، مُحترم من العقل. جمعتني به علاقة صداقة عميقة وطيبة،  تغلفها علاقة التلميذ باستاذه والأبن بابيه الروحي، بل قلّ علاقة كاهن براهبٍ حكيم، كان دائمًا مثار اعجاب وتقدير. كما أسعى في هذا الكتاب للتعريف بنموذجٍ لبناني تخطى أدبه حدود العالم العربي ليُحلق إلى العالمية. مانحًا ثمار الإبداع، ناشرًا عصارة الفكر وخلاصة الاحساس بأسلوبٍ سلسٍ شيقٍ، يخلو من التعقيد، يبتسم أحيانًا بروح الفكاهة.  كتبَ بحبر القلب، أشعاره كالبلسم على الجرح النازف، مقالاته تلتصق بالعقول، أما دواوينه فتنعش القلوب.
   كنتُ التهمُ صفحات كُتبه قبل سنوات خلت مع غيرها من روائع الأدب العربي والعالمي وتراث الفكر الإنساني مثل الكثيرين من أبناء جيلي الذين استهوتهم المطالعة الورقيّة على خلافِ الجيل الحديث والمعاصر، الذي يميل بشدة إلى القراءةِ الالكترونيّة. 
   خلال مطالعتي لمؤلفاته كان يشدني إليه استغراقه الشديد في التغني بلبنان والعراق الذي يعد من البلدان العربية التي نال منها انتشاره العربي عَبرَ المربد الشعري. وما أدراكم ما المربد [1]؟.
   شاعرٌ ناصعٌ من طينِة الكبار، ربّما اختلف بعض النقاد حول آرائه وكتاباته، بيد أنّ الأغلبية اتفقوا على قيمته الفكريّة وقامته الأدبيّة، مُثنين على هامته الانسانيّة.
   يشيد به الخصم قبل الصديق، تسامى عن الصغائر، لم يُعادِ أحدًا، ولم  ينافس شخصًا، لم يلهث يومًا وراء الجوائز والمناصب، ولم يتكالب على الأضواء. لا يضع العصي في طرقات الاخرين، بل كان سلمًا يرتقي الاخرون من خلاله  إلى المجد. إذ ليس المهم أن يمتلكَ الأديب الموهبة وحدها، بل الأهم أن يُضيف إليها الشخصيّة الرصينة والجاذبيّة الإنسانيّة والخلُق القويم، يمزج  الكلمات بالسلوكيات، فنحن في زمن بُتنا نصرخ فيه: يا أيها الأديب كُن أديبًا خلوقًا!.
   نموذجنا اليوم هو الأستاذ شربل بعيني  الذي أرى فيه عصرًا كاملاً يسير على قدمين، لم تؤثر فيه سنوات الغربة الطويلة، ولا خطوب الزمان، ولم تنل منه ندوب الأحداث وطعنات المنافسين. الغريب حقًا في أدبه وملامح شخصيته امساكه لميزان الكلمة بعدالة وحيادية قلّ نظيرهما في زمننا هذا!.
   سنوات مضت من التألق والشهرة، حصد خلالها  الالقاب والجوائز، لكنه  ظلّ يتحسس في قرارة نفسه أنَ حاجةً واحدة تنقصه، وهي التقرب من الله، وها هو منذ سنوات يعشق الإختلاء، باحثًا متعمقًا، مُكرسًا نفسه كراهبٍ في صومعة  الكلمة الأزليّة [2]. 
   شربل كاهنٌ علماني، قربَ الكثيرين من الربّ. ترك أضواء العالم ساعيًا لنيل مجد السيّد المسيح ورضى الله، فهو "أبونا شربل بعيني" كما يحلو لي أن أُناديه أحيانًا، لا يُفاخر بقامته الأدبيّة ولا بخزائنه الشعريّة، بل يزهو بتقربه من الله الذي قاده إلى إنصاف من جعلوا من اعماقهم فرنًا للكلمة البنّاءة، لهذا سيظلّ المهجر الأسترالي يذكر له مواقف روحيّة وطلات إنسانيّة وانجازات أدبيّة لا تُنسى. هذه شهادة عادلة في زمن كثر  فيه المزورون والأدعياء والمزيفون.
   قرأت له وقرأت عنه، إلى أن بادرني صديق مشترك في ايار 2011 وهو الصحافي المعروف جوزاف بو ملحم - أبو أمين- برغبة صديقه الشاعر العربي الكبير شربل بعيني بالتعرف عليّ شخصيًا واجراء مقابلة تلفزيونية في مجلته (الغربة) الغرّاء إثر مطالعته لكتابي الموسوم (خلجات الذات الجريحة ج2). فقلتُ له:
ـ يا فرحة ما بعدها فرحة؛ فمنذ سنوات وأنا أقرأ وأسمع عن "رسّام الكلمات" شربل بعيني، شربل الذي رسم أجمل الصور الشعريّة واللقطات الإنسانيّة في كتاباته المُعبرة عن موهبته الفطريّة ونضجه الحياتي. شربل الذي امتدحه الشعراء الكبار:  نزار قباني، عبد الوهاب البيّاتي والأب يوسف السعيد رحمهم الله.
   ولمن لا يعرف، فإنّ شربل كان من أشد المتأثرين بأبيه الروحي وملهمه الأدبي نزار قباني، سيّما بعد أن التقاه في بيروت عام 1968 واهداه باكورته الشعريّة ديوان "مراهقة"، فنصحه شاعر العرب الأكبر بالإبتعاد عن العامية والكتابة بالفصحى. وربّما لا أكون مُخطئًا بالقول: إنَّ البعيني استمد من الشخصيّة العراقيّة جزءًا كبيرًا من الذكاء الأدبي والقدرة على تصوير المواقف الشعريّة من خلال تجربته في المراسلة مع الشعراء: الجواهري، الأب يوسف السعيد، عبد الوهاب البيّاتي، نزار حنّا الديراني. ولا غرابة في الأمر فعلى مرّ التاريخ شهدنا أزمنة عانقت فيها النخلة العراقيّة الباسقة الأرز اللبناني الشامخ.
   رأيته للمرّة الأوّلى بجسده الضخم وصوته الجهورَيّ حين نهض من مقعده وانتصب قائلا:
ـ يا هلا بالأبونا المفكر..
   يوم التقينا معًا في غداء محبة وتعارف بأحد مطاعم مدينة ميريلاندز بسيدني في شهر تموز 2011، رفقة الشيخ د. مصطفى راشد والصحافيّ جوزاف بو ملحم[3] ، الذي كنا في ضيافته المعهودة، فقلتُ له: 
ـ يا محاسن الصدف!
   وأخيرًا التقيت أنا الكاهن البغدادي بالشاعر اللبناني الذي كرمه بلدي العراق، حين صدح صوته وتغنى بأرض العراق في المربد الشعري سنة 1987؛ ذلك الشاعر الذي له جائزة عالمية تحمل اسمه، تصدر من معهد الابجدية في لبنان. وذلك يومٌ أعدّه من أسعد الأيّام وأكرمها لدي.
   وجدتُ نفسي أمام شاعر لا يشوب شاعريته غبار، وبجوار صرح أدبي عملاق!. أملتُ سمعي إلى أحاديثه، أمعنتُ النظر فيه، تفرست في وجهه جيدًا وقرأت في عينيِه ما يختبىء في قلبِه من محبة وطيبة، إن لم أقل أحزاناً.
   إنقضت ساعة واثنتان، الإستماع إليه شيّق ومُفيد، يُنسيك وجبة الطعام التي أمامك؛ لبق الكلام، أحاديثه غذاء للفكر، واسع الثقافة.  له القدرة على توليد النكتة والدعابة، يبث النكات بين الحين والآخر، كأنها معزوفات موسيقيّة، أضفت على جو الجلسة رونقًا وجمالاً.
   غادرنا المطعم، ولبيت دعوته لزيارة مقر مؤسسته العامرة (مؤسسة الغربة الإعلاميّة)، وما أن وطأت قدمي عتبتها حتّى بانت أمامي  في الحال أوسمة وجوائز وميداليات أدبيّة وهدايا لا تحصى، من شخصيات أدبيّة، سياسيّة، علميّة ومؤسّسات ثقافيّة عديدة، ناهيك عن ما يزيد عن 60 كتابًا حصيلة 45 عامًا في رحلة الأدب الممتعة والشاقة.
   وأذكر أنّنا حين غادرنا مكتبه نظر كلّ منّا إلى الآخر وقلت لهم:
ـ إنّه قيمة وقامة عالية، إذ ما رأيت في حياتي قدرة على  موضوعيّة السرد مثل تلك التي تمتع بها هذا الرّجل، فهو يرد الأمور إلى أصولها ويتعقب الظواهر إلى أسبابها.
   ولعلَّ أهم الامور التي ينفرد بها عن الاخرين أنّه يصغي بتمعنٍ ومحبة، يستوعب الموضوع المطروح عليه بدقة، يرتب أفكاره قبل التفوه بكلمةٍ، يمتلك ناصية التأثير في الآخرين، من خلال قفشات مُسلية في غير أوقات الجد، شديدة الجدية أثناءه. كان لقاء أورق في النفس حضورًا وصداقةً.
    إنّ محبتي الكبيرة للشاعر المبدع شربل بدأت لحظة قرأت له "كتابات على حائط المنفى" وكيف توسد الغربة سنوات طويلة، توسعت وازداد حجمها حين عرفته شخصيًا؛ إنسانيًا وأدبيًا.
   صديق رافقته ورافقني لسنواتٍ في السرّاء والضرّاء، أدركته خلالها: عزيز النفس، لطيف المعشر؛ الجلوس إليه صنعة، والحديث معه متعة، يجمع بين رقي الشخصيّة وعلو كعب موهبته الربانيّة. له حضورٌ طاغٍ،  اهله لاختراق العقول والقلوب في وقت واحدٍ. الاقتراب منه يمنحكَ اعترافًا بمكانتِه وتأكيدًا لقيمته وحفاوةً بعطائه المتجدد وتألقه المتواصل.
   وقد لحظت أيضًا أنَّ أتعاب الحياة طالته، راحته تبدو في وحدته. تظهر على وجهه ندبات الزمن وعلى شعره المنكوش دلالات العبقرية التي لا تخلو من مسحة كبرياء شخصي، إلّا أنه قريب من البسطاء والعامة في أوقاتٍ ومناسبات. له نوادر يعرفها أصدقاؤه المقربون فقط.
   حلت به أهوال حياتيّة وأزمات أدبيّة، لكنه يبدو سعيدًا مرحًا، قريبًا من القلوب في المناسبات التي يظهر فيها، وجيهًا في الأحاديث الخاصّة والجلسات العامة. غير أنّي لمست فيه غصة دفينة وحزنًا خفيًا يتجليان ساعة يُقلب سجل الذكريات في صندوق الذاكرة، بيد أنّه لم يكن يومًا من أيام معرفتي به من ناشري مناخ الأحباط واليأس، بل على العكس من ذلك.    
   تميز عن الآخرين بالصدق والطيبة والرغبة في المساعدة على نحوٍ اكتسب احترام كلّ من حوله، فلا أنسى تلك السهرة الأدبيّة المُصغرة التي جمعتني به في حديقة منزله العامر عام 2012 بمناسبة ذكرى ميلاده الحادي والستين، بصحبة الصديقين الكابتن سعدي توما والاستاذ موفق ساوا، بعد تركي كنيسة مار توما التي كنت أخدم فيها بكلّ جوارحي، فرأيتُ أنْ أطرحَ عليه بعض همومي، في جلسةٍ لم تخلُ من تبادل الهموم واستعراض المشقات التي تعرض لها الحاضرون، فإذا به يعبر عن تقديره لشخصي ويزيد على ذلك رغبته في المساعدة،  وهو أمر لا أنساه له ما حييت.
   فرحت بمولده بلدة مجدليا بقضاء زغرتا، شمال لبنان عام 1951. كان مولعًا بالقراءة منذ الطفولة، فاكتشف في سنّ صغيرة إنَّ علاقته مع الكلمة كانت كعلاقة الأرض بالماء. دبجت أنامله الذهبية أوّلى قصائده (قصيدة حرّة) نشرها بعمر 13 ربيعًا في إحدى المطبوعات بطرابلس، يقول مطلعها:
"عربي..
 ما دمت أنت عربي
فأخي أنت إبن أمي وأبي"
   أصدرَ ديوانه الشعري الأوّل وله من العمرِ 17 عامًا، وقد انبهر  أستاذه  الراحل "جليل بحليس" بذلك المراهق، فأطلق عليه لقب "فرخ فيلسوف".
     يعدّ ديوان (فافي) الذي نشره عام 2013 آخر مؤلفاته المطبوعة [4]، تغنى عبر صفحاته بالشاعرة والاديبّة المصريّة المعروفة فاطمة ناعوت.
   إنَّ شاعرية الشاعر قد تكون سيفًا مُسلطًا على رقبته منذ ولادته الشعريّة، هذا ما حصل لشربل في زمن المراهقة، فهو لم يكن يعلم أنَّ ديوان "قصائد مبعثرة عن لبنان والثورة، لبنان 1970"، سينغص عليه الحياة، ويحرمه من لبنان ومن حضن الوالدة[5] ،  التي كان لها الأثر الكبير في نجاحات ولدها الإنسانيّة والأدبيّة؛ ففي ليلةٍ من ليالي مجدليا الحالكة الظلام، قصدَ خوري الضيعة بيت العائلة وأبلغ والدة شربل أنَّ ديوان "قصائد مبعثرة..." لم يرق لبعض أشباح المكتب الثاني اللبناني، وعلى شربل أنْ يرحل وإلّا سوف يرمونه في البئر!.
   هرعت والدته تتوسله مُغادرة لبنان، لكنَّ شربل أبى الرحيل في بادئ الامر، لأنه  لم يخلق ليكون شتاتًا في الأرض. ونزولاً لتوسلاتها قرر الهرب إلى ضيعةٍ بعيدةٍ عن يد البطش. وهناك حصل ما لم يكن في الحسبان، فذات مساء دُعي لالقاء قصيدة في مناسبةٍ حزبية أو وطنية وفق ما ذكرت الدكتورة سمر العطّار في مقدمة ديوانه "كيف أينعت السنابل"، نالت المديح والإشادة، ومن شدة الأعجاب قام بعض الحضور باطلاق العيارات النارية احتفاءً وانطرابًا بقصيدته التي ألبت عليه المزيد من الاعداء، وحتمت عليه الهجرة من لبنان قسرًا.
   هاجر من لبنان عام 1971 قادمًا إلى أستراليا، بعد أن حزم أمنياته في حقائب الغربة، وفي منفاه وجدَ مساحات من الحرية في الرأي لم يألفها في باريس العرب - لبنان، فلبنان كان باريسًا للعرب بجمالِ أراضيه وناسه وليس بساسته.
   في القارة النائية امتهن شربل مهنة الحياكة أوّل الأمر، إلى أنْ عملَ في التجارة؛ فادرك كيف يجمع بين الأدب والتجارة؛ إذ مكنته التجارة من نشر  نتاجاته الأدبيّة في المهجر الاسترالي، وقد أَلفَ المغتربون العرب اسمه كما أّلفوا الشهيق والزفير.
   كتبت عنه الصحف العربية وأُجريت معه شتى أنواع المقابلات الصحفية واللقاءات الإعلاميّة، بعد أن كتبَ الزجل والشعر الحرّ والعامودي والنثر والمسرح بتفوق. مُمارسًا فيما بعد رسالة التعليم في معهد سيّدة لبنان، بعد مضي عقدٍ من الزمن على دخوله سيدني، ألّفَ خلالها عشرات الكتب المدرسيّة، التي تُدرس في مُعظم المدارس الحكوميّة والخاصّة، وأنشأ على مدى ثلاثة وثلاثين عامًا كأستاذٍ للغة العربية أجيالاً من التلامِذة في معهد سيّدة لبنان- هاريس بارك، مُقيمًا العديد من المسرحيات المدرسيّة، حتّى أنَّ فنان العرب دريد لحام أطلق شهقة تعجب يوم حضرَ مسرحيته "ضيعة الأشباح". والحال، يبدو أنه عندما يوصد في وجهنا باب الوطن، تفتح الغربة أمامنا بابًا آخر، لكن يبقى على المرء أن يعترف ويهتدي إلى ذلك الباب الذي يُبشر بحياة جديدة، أقول هذا لكي يتخذ أيّ مُهاجر من شربل أنموذجًا للتماهي.
   أغدقت عليه ألقاب كثيرة منها: أمير الأدباء والشعراء اللبنانيين في عالم الإنتشار، الأديب العبقري، شاعر المهجر الأوّل، سيف الأدب المهجري، ملاح يبحث عن الله، رسّام الكلمات، شاعر الغربة الطويلة، أسطورة الأدب العربي المهجري، شربل بقلوبنا، مدرسة أدبيّة فريدة، شمس الأدب العربي المهجري، ولا غرابة في الأمر، فبين أنامله وريشة قلمه همس كثير وشعر اصفى من غلّة الربيع.
   وتصديقاً لما ذكرت وجدت أن من الأفضل الاستشهاد بما كتبه الاستاذ أيوب محمد أيّوب سكرتير رابطة إحياء التراث العربي يومذاك في جريدة "صوت المغترب"، العدد 851، 19 ايلول 1985:
   "يحق للعربي في هذه الديار أن يفخر بشربل بعيني، الشاعر اللبناني الأصيل، ليس لأن أشعاره تأتي سلسة عذبة، يسكب من خلالها معاناته في إناء أنيق فحسب، بل لأنه يعصر فيها قلبه، ويحبك من وهج شرايينه قصائد يفرغها في قلب القارىء، ليعطيه طاقة روحيّة، ويترجم له أحاسيسه ومعاناته، مقدّماً له كأساً من الشعر فيها نجواه وشكواه، فشعره ليس نجوى، وليس صدى لمعاناة "الأنا"، بل هو صوت القارىء ولسانه أيضاً، وبذلك يثبت شربل، عن جدارة، أنه شاعر المهجر الأوّل في أوستراليا".
    وكتب الاعلامي في مدينة ملبورن طوني شربل مقالا في جريدة صدى لبنان ـ العدد 301 ـ 15/6/1982، أعلن فيه أن شربل بعيني هو سيف الأدب المهجري:
   "أمام هذا الواقع، حرّك يا ربّ، عقول رجال المسؤوليّة، كي يعوا حقيقة الوجود، ويضمّوا شربل بعيني وأمثاله بكلتا الذراعين، وليجعلوا منهم مفخرة للأرض ومشعل نور.
   نجدد القول: الشكر لك يا رب.. الشكر لك. ونصرخ "عالمكشوف" إلى الأمام يا شربل، فأنت سيف الأدب المهجري".
    حصدَ شربل منذ شبابه إلى يومنا هذا أنفس الجوائز التقديريّة من رؤساء دول وشخصيّات علميّة ودبلوماسيّة، كما نال تكريمات لا تحصى، فضلاً عن شيوع أدبه وانتشاره في الكثير من أرجاء المعمورة بعد أن تُرجم إلى لغات عدة، فأدبه وِجدَ لكي ينتشر ويدوم.
   من أبرز جوائزه:  جائزة جبران خليل جبران العالمية، جائزة الارز للأدب العربي، جائزة أمير الادباء اللبنانيين، جائزة الإبداع من مؤسسة العراقيّة للثقافة والإعلام  2012  /سيدني، درع الإبداع عام 2014 من وزارة الثقافة اللبنانية، وهذه هي المرّة الأوّلى التي تكرمه بلاده. درع وقلادة البيّاتي 2015.  حصل أيضًا على جائزة القصيدة العامودية مناصفة مع الشاعر العملاق  يحيى السماوي في أمسية رابطة البيّاتي الثانية يوم الثلاثاء الواقع 22/9/2015.
   ادرج اسمه مع نبذة عن حياته ومقتطفات من شعره في معاجم عالمية وعربية أهمها: معجم البابطين للشعراء العرب المعاصرين/ الكويت، موسوعة الشعر العامي اللبناني/ بيروت- لبنان. إضافة الى الموسوعة الانكليزية/ جامعة ديكن في ملبورن عن الأدباء الإثنيين في أستراليا. 
   تميز شربل بالمزاج المُتقلب والغضب السريع والنبرة الصوتية المرتفعة، لكنُّه سرعان ما يعود ويهدأ ويُلطّف الأجواء خلال دقائق معدوة، ولا يغمض له جفنٌ إذا كان يعي أنَّ أحدًا قد انزعج من كلمةٍ قد تفوه بها، أو من سلوكٍ أقدمَ عليه بغير قصدٍ، ليُعيد المياه إلى مجاريها بلطفٍ إنساني وكياسة عُهد بها. وخلال مرافقتي الشخصيّة له ومطالعتي لنسبة كبيرة من نتاجاته، وجدتُه يولي المرأة  الواعية المبدعة اهتمامًا خاصًا واحترامًا كبيرًا في حياته، وإنْ كانت احباطاته العاطفية نغصت عليه مُتعة الحياة ومشواره الأدبي، فهو لا يزال يكنُ للمرأة نفس القدر من الاحترام والتقدير. وتلك على ما يبدو سمة تُصيب بعض المفكرين والأدباء، الذين يجدون في تقدير المرأة ملاذًا من ضغوط الحياة ووطأة الفكر!. كما أنه يُخفي وراء سطور كتاباته آراءً سياسيّة حبيسة ومواقف خفية ممّن يديرون المشهد السياسي في لبنان الجريح.
   وفي زمنٍ بات فيه الكثيرون ضيقّي الأفق في محبتهم للإنسان كإنسان، وجدتُ شربلاً تميزه البراءة، منسجمًا مع نفسه صادقًا مع الجميع، وفيًا للغير، مُلتزمًا بمحبة الناس. لا ينزعج من نجاحاتهم، ياخذ بيدهم إلى طريق المجد والإنتشار.
   يقول ما يريد قوله  دون مراوغة وتمويه أو غش أو تملق. وقد علمني ونحن في هذا الزمن الرديء الذي يتوجب على المرء فيه أنْ يقول دائمًا ما يحب الآخرون أنْ يسمعوه، أنْ أقولَ كلمتي وأنْ أكونَ حُرّ الكلمة والمواقف حتّى لو وجهت لي سهام الغيرة والنقد، فعلى الأديب ألا يخشى لومة لائم، ولا يهاب النقد الجارح غير الموضوعي.
   ولا أنسى  تلك الكلمة التي شرفني بها في أمسية توقيع كتابي "المبدعون غرباء عن هذا العالم" بتاريخ 12/11/2011: "الملفتُ حقاً هو وفاءُ الكاهنِ يوسُف لِمَن ساعدَهُ من بعيدٍ أو قريبٍ، وهذا ما لم نَعُدْ نَجِدْهُ في هذا الزمنِ التعيسِ، زمنِ الوصوليّةِ والغدر، وهذا ما يُرَجِّحُ كَفَّةَ موعِظَتِه، ويجعَلُ المُتَلَقِّي يَرْضَخُ لها دون إدراكٍ منه".
   في مطلع حياتي الأدبيّة وتحديدًا عام 2000 أسدى لي أستاذي الباحث الراحل الأب بطرس حدّاد، نصيحة مجانية مفادها: "أنت الآن دخلت وسطًا لا تفقه خفاياه ولا تدرك محنه جيدًا، لأنك في مقتبل العمر، ولكن أعلم يا بُني أنَّ الدخول في رحاب هذا الوسط اشبه بتسلق الجبل، كلّما تقدمت  خطوة نحو القمة كلّما أتتكَ ركلّة تعيدك إلى الوراء عدة خطوات". ولقد وجدتُ صدى لتلك النصيحة في حياة الكبير شربل بعيني،  فكما أنَّ ذكاءَ المرء محسوب عليه، فإنَّ تألق الأديب أو أيّ مبدع  في شتى المجالات يكون خصمًا له. وفي تاريخنا العربي على مرّ العصور أيقنا دائمًا: ويل لمن تطول قامته أكثر من اللازم!، كما اختبرنا في محيطنا الشرقي كلّما كثرت الأضواء على شخص ما، كلّما كثرت حاجته لسيارات الأسعاف!.
   وقد أصابتني دهشة وصلت إلى حدِ الذهول، حين قرأت كيف تناولت سهام النقد الموضوعي وغير الموضوعي أدبه وشخصه، رغم أنه لم  يتردد أو  يخشَ من نشرها إيمانًا منه بحرية الرأي الآخر، مقتنعًا بعدالة الزمن الذي يُعده الحكم النهائي  والرقيب المطلق على نتاج الأديب، فللأسف إنَّ لغة التكفير والتنابذ وتناكف الحوار  غدت من مقومات النقد لدى البعض منّا. وكما أنَّ الشيء بالشيء يذكر، فإنَّ البعض من منتقديه عاد وانصفه وأثنى على نتاجاته، أما البعض الآخر فلم يعدل عن رأيه إلى الآن. هذا هو حال شربل دائمًا، كالشجر يرميه الناس بالحجر فيرميهم  بالثمر، ولا عجب، لأن المعادن الطيبة لا تصدأ أبدًا، وإنَّ شموخ الرّجال العظام يجعلهم كالأشجار الطيبة الثمار، واقفين باسقين حتّى نهاية رحلة العمر.
   حقق شربل أمورًا كثيرة، وأخفق في أمورٍ أُخرى شأنه شأن سائر البشر، لأن الشاعر إنسان في أخر المحصلة؛ فالرّجل كان يطمح إلى الأبوة ولم يحظَ بها، وذات يوم أسرّ إليَّ بأمنيةٍ لا تزال تؤرقه ومفادها:  "لو مَنّ الله عليّ بالأبوة لتمثلت بأبي". لكنه عاد وهمس لي بنبرة الإتكال على المشيئة الربانيّة: "لتكن مشيئتك يا ربّ".
   اغتنمت الفرصة وسألته في إحدى الجلسات:
ـ لو عاد الزمن بك إلى  الوراء هل ستمتشق قلمك مرّة أُخرى وتجعله يعانق الورق؟
أجابني بسرعة وانفعال:
ـ نعم، وسوف أكتب أكثر ممّا كتبت، لان الله كلمة، والكلمة لا تموت ابدًا".
   من مقولاته البليغة والخالدة:
(العقل دائمًا يغلب البندقية شرط ألا يستسلمَ). (البخيل إنسان يموت مرتين ليعيش ورثته من بعده).
(الأديب الذي يستعطي الناسَ من أجل نشرِ أدبهِ سينشر الناس أدبه على السطوح)،
(الغرور داءٌ قاتلٌ لا يفتك إلّا بصغارِ العقول).
(معظم الذين يحبون الجلوس على طاولات الشرف بلِا شرف).
   برعَ شربل في موهبة الخطابة متميزًا على أقرانه، حتّى أطلق عليه البعض (ملك المنبر) (المايكرفون)، وفي هذا الصدد أنقل شهادة الشاعر العربي نزار قبّاني بمقدرة شربل الخطابية بإحدى رسائله المؤرخة في 31 كانون الثاني 1994:
"أما أنت، فقد قرأت كلمتي أحسن منّي، وكنت (بشبوبيتك) وأناقتك، ووسامتك.. نجم الحفلة".
   وليس هذا فحسب بل أن الشاعر العراقي عبد الوهاب البيّاتي اعترف بذلك أيضاً، برسالة مؤرخة في 24/10/1988:
   "..وبخاصة إلى قصيدتك الرائعة بعد أن كنت قد قرأتها مرّات عديدة، ولقد ازداد إعجابي بعد أن استطعت من خلال إلقائك الخلاّب المثير المؤثر العميق الوصول إلى الضفاف الشعريّة الإنسانية التي تكتنز بها القصيدة، والتي تنطوي على ألم ثوري عاصف إنك شاعر حقيقي، وصوتك جزء لا يتجزّأ من شاعريتك الفذّة أكرّر شكري وتقديري ومحبتي".
   أما شهادة المطران المثلث الرحمات عبده خليفة، مؤسس الابرشية المارونية في أستراليا، فلقد أثبتها المهندس رفيق غنّوم في كتابه "أجمل ما قيل بأدب شربل بعيني":
   "الويل لمن يتكلّم قبل شربل بعيني، والويل لمن يتكلّم بعده، فالأول ينساه المستمع، والثاني يتجاهله تماماً".
   ولا شك أنَّ براعة الخطيب والشاعر أو أيّ متحدّث مهما علا قدره تتحدد في قدرته على الإيجاز وصياغة الفكرة العميقة في كلماتٍ قليلة وباسلوبٍ سلس والقاءٍ يشدّ الآخرين إليه. وقد  تعلمت منه كيف أقف أمام المرآة وأتلو كلمتي الأدبيّة خلال فترة زمنية لا تتجاوز الخمس دقائق قبل أنْ  أعتلي خشبة المنبر!. ولا تزال نصيحته تصول وتجول في ذاكرتي: "يا أبانا تذكر أنَّ المتحدث الذي يكثر الكلام على المنبر، يضجر من حاله قبل أنْ يضجر منه الآخرون". فهو والحق يقال ليس مُصابًا بمرض الاسهال الخطابي، كالذين يعتلون المنصة دون أن يتقيدوا بالوقت المحدد لهم.
   أما عن وصيتهِ فقد كتب: "وصيتي قبل أنْ أموت ألا يقال أنني مُت".
   وكيف يموت شربل بعيني الشاعر والإنسان في ذاكرة الاجيال وهو القمر المُضيء الذي لا يعرف الكسوف.
   عَبرَ رحلة الثلاثين من العمر أدركت بوضوحٍ تام من كلّ المرموقين الذين التقيتهم في مجالات الحياة أنَّ الإنسانَ هو الإنسان مهما علا شأنه أو تواضع قدره، وأنَّ توزيع الأدوار في الحياة وتحقيق المنجزات قد جاء في الكثير من الأحيان عبثيًا وغير عادل، أما عن شربل، فلا يسعني إلّا أن أقول: "إنّه يمضي والتوفيق مع خطاه. يحالفه الحظ، تخدمه الظروف دائمًا، يمشي النجاح في ركابه أينما حلّ، وهذه نعمة ربانيّة من جهة، ومهارة ذاتيّة من جهة أخرى".
   لم يكتفِ شربلنا بالشعر والزجل والادب والنثر  وكتابة النصوص المسرحية، بل كتبَ القصيدة المغناة للعديد من المطربين، نذكر منهم: هند جبران، ريما الياس، وفاء صدقي، إسماعيل فاضل الذي غنى روائعه يا مصر، بغداد أنتِ حبيبتي [6] ، فافي.
   عاصر زمنًا جميلاً احتفظت فيه الكلمة بجلالها والفكرة بعمقها والنظرة بموضوعيتها، ولا غرو إنْ قلت: إنّه من زمن الشوامخ كجبران، ميخائيل نعيمة، سعيد عقل، الجواهري، عبد الوهاب البيّاتي و يحيى السماوي، الذي أطلق عليه لقب "عميد الأدب المهجري" في كلمة منشورة بموسوعة شربل بعيني بأقلامهم الالكترونيّة.
   يُردد المرء في سرّه  كلّما تقدم بالسنّ: آه  لو كنتُ أعلم كيف يعيدُ الإنسانُ ماضـــيــــِه، لفعلت في الحال. أما هو وعلى مدار السنين لم تنقص قيمته، ولم يهوِ جبل موهبته، ولم يجف نهر إبداعه، بل ارتفع مقامه وكبر شأنه، فما زال في قمة القمم وأعلى الهرم؛ كلّما زاد عمره علت هامته. 
   سيظلّ شربل كبحرٍ لا يمكن سبر أغواره، نكتشف فيه كلّ يوم اللآلىء والأسرار الخفيّة، ونظلّ بحاجة إلى مزيد من الغوص والتبحر لاكتشاف كنوزه الدفينة. ونظلّ بحاجة للنظر في فضاء أدبه الخالد للتحليق عاليًا، علنا نبلغ بعض أجوائه، ونستنشق قسطًا من أنسام عبير سُموّه.
   شهادة أقولها للقرّاء هنا: "سيبقى شربل بعيني في ضمير القارئ العربي قمرًا مضيئًا ونجمًا  لامعًا، بل شمساً ساطعة، لا ينساه  رواد الكتب وكلّ من عرفوه عن قرب، ولا يغيب ابدًا عن ذاكرة لبنان باعتباره البلد الذي جُبل من ترابه، ولا عن ذاكرة أستراليا؛ المهجر الذي قضى فيه ثلثي حياته، وشهد له أغزر نتاج أدبي جاد؛ حيث ارتبط المشهد الثقافي العربي باسمه، واقترنت صوره الحديثة بإنجازاته الغنية؛ فالكثيرون يحملون شعلته المضيئة  ويكنون المحبة والولاء لاسمه الكبير. أما أنا فأحني الرأس احترامًا لاسمه العريق وإجلالاً لشخصه البريء ولعطائه المتصل بالثقافة ودوره المرموق في تاريخ الأدب المهجري الحديث".
   قُبلة محبة عراقيّة  أطبعها على جبين ذلك الارز اللبناني الشامخ الذي يبدو لي ولغيري دائمًا "كالصائغ" ينتقي الفصوص النادرة والمعادن الاصيلة والاحجار النفيسة ثم يصوغها للقارئ في حلةٍ قشيبة.
   أَختم بالعودة إلى ما بدأتُ به: إنَّ من حق كلّ بلد وملة وجالية أن تزهو بعباقرتها وتتباهى بأدبائها وتفاخر بمبدعيها، "ويحق لنا أيضًا  ملة أدباء المهجرالأُسترالي، أنْ نضعَ الأستاذ شربل بعيني على رأس مفاخرنا الأدبيّة في هذا العصر".
   هذا قليل من كثير عن قديس الكلمة شربل بعيني، الذي يقف منذ عقودٍ على قمة هرم الثقافة العربية في أستراليا. سائلاً الله أن ينسج له بيد لطفه ثوب حياة  لا يُبلى . الّلهمّ آمين.
ــــــــ
[1]  صدح صوته عام 1987 في مهرجان المربد الشعري الثامن في بغداد، فقال عنه الأب الشاعر الدكتور المرحوم يوسف السعيد: "لقد هزّ شربل بعيني المربد الشعري". إذ وصل الحال أن يختم التلفاز العراقي على مدار اسبوع بطوله نشرة الأخبار بقصيدته التي طبقت شهرتها الأفق: "أرض العراق.. أتيتكِ". وأذكر للتاريخ،: إنّه أوّل شاعر مُعاصر ينشد قصائده في المربد بمزيج من اللهجة العامية اللبنانية والعربية الفصحى!!، وهذا كان مُخالفًا لتقاليد المربد، ومع ذلك وقف الحضور اجلالاً له؛ هتفوا وطبقوا الاكف مرارًا اعجابًا بقصيدته.
 [2] كان لكاتب هذه السطور اليد الطولى في اعادة البعيني إلى الحراك الادبي والمشهد الثقافي من جديد بعد انقطاع طوعي معروف.
[3] بالعودة إلى خزانة الذّاكرة أجد إنّني قرأت أسمه لأوّل مرّة في موقع إيلاف، ثمَّ تناهى إلى سمعي صوته يوم عرّفني به الصحافي جوزاف ابو ملحم.
[4] صدرَ له في الاسبوع الأوّل من عام 2016 ديوان "اوزان" بالفصحى.
[5] لا أنسى إنطباعات أصدقاء شربل عن تلك المرأة؛ فقد سمعت منهم خلال الجلسات (الله يرحم أمك القديسة يا شربل). ولا أعلم أيّ صمت كان يراوده يوم باح لي عمّا يختلج في الاعماق: "ما اشتقتُ إلى شيءٍ في حياتي قدر اشتياقي إلى حضن أمي". لقد طبعت والدته اثرها في حياته أكثر من أيّ إنسان آخر. وإنْ كانت الحكمة تنص:  وراء كلّ رّجل عظيم امرأة،  فأنّ شربل كان وراءه أمّ قديسة، رحلت عن عالمنا  الفاني منذ سنوات خلت. عليها رحمة الله.
[6] القى شربل بعيني قصيدته "بغداد أنت حبيبتي" في مهرجان رابطة البياتي بتاريخ 17/6/2015 بسيدني، فنالت اعجاب الجمهور بعد أن حبس بالقائه أنفاسهم، ثمّ جوبهت بالتصفيق الحار، وهتف له بعض الحضور أنت عراقي. ومن ثَمَّ غناها الفنان العراقي إسماعيل فاضل.
**

http://charbelbainrassamalkalimat.blogspot.com.au/2016/02/blog-post_80.html